فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{إِن تتُوبا إِلى الله} خطاب لحفصة وعائشة رضي الله تعالى عنهما على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في المعاتبة فإن المبالغ في العتاب يصير المعاتب أولا بعيدا عن ساحة الحضور، ثم إذا اشتد غضبه توجه إليه وعاتبه بما يريد، وكون الخطاب لهما لما أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن حبان وغيره عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر رضي الله تعالى عنه عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: {إِن تتُوبا} إلخ حتى حج عمر وحججت معه فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالأداوة فنزل ثم أني صببت على يديه فتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: {إِن تتُوبا} الخ؟ فقال: واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ثم أنشأ يحدثني الحديث الحديث بطوله؛ ومعنى قوله تعالى: {فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} مالت عن الواجب من مخالفته صلى الله عليه وسلم بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه إلى مخالفته، والجملة قائمة مقام جواب الشرط بعد حذفه، والتقدير إن تتوبا فلتوبتكما موجب وسبب {فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} أو فحق لكما ذلك فقد صدر ما يقتضيها وهو على معنى فقد ظهر أن ذلك حق كما قيل في قوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة

من أنه بتأويل تبين أني لم تلدني لئيمة، وجعلها ابن الحاجب جوابا من حيث الإعلام كما قيل في: إن تكرمني اليوم فقد أكرمتك أمس، وقيل: الجواب محذوف تقديره يمح إثمكما، وقوله تعالى: {فقدْ صغتْ} إلخ بيان لسبب التوبة، وقيل: التقدير فقد أديتما ما يجب عليكما أو أتيتما بما يحق لكما، وما ذكر دليل على ذلك قيل: وإنما لم يفسروا {فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} بمالت إلى الواجب أو الحق أو الخير حتى يصح جعله جوابا من غير احتياج إلى نحو ما تقدم لأن صيغة الماضي وقد وقراءة ابن مسعود {فقد زاغت قلوبكما} وتكثير المعنى مع تقليل اللفظ تقتضي ما سلف، وتعقب بأنه إنما يتمشى على ما ذهب إليه ابن مالك من أن الجواب يكون ماضيا وإن لم يكن لفظ كان، وفيه نظر، والجمع في {قُلُوبُكُما} دون التثنية لكراهة اجتماع تثنيتين مع ظهور المراد، وهو في مثل ذلك أكثر استعمالا من التثنية والإفراد، قال أبو حيان: لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر كقوله:
حمامة بطن الواديين ترنمي
وغلط رحمه الله تعالى ابن مالك في قوله في (التسهيل): ويختار لفظ الأفراد على لفظ التثنية {وأنْ تظاهرا عليْهِ} بحذف إحدى التاءين وتخفيف الظاء، وهي قراءة عاصم، ونافع في رواية، وطلحة، والحسن وأبو رجاء، وقرأ الجمهور {تظاهرا} بتشديد الظاء، وأصله تتظاهرا فأدغمت التاء في الظاء، وبالأصل قرأ عكرمة، وقرأ أبو عمرو في رواية أخرى {تظهرا} بتشديد الظاء والهاء دون ألف، والمعنى فإن تتعاونا عليه صلى الله عليه وسلم بما يسوؤه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره.
{فإِنّ الله هُو مولاه} أي ناصره؛ والوقف على ما في (البحر).
وغيره هنا أحسن، وجعلوا قوله تعالى: {وجِبْرِيلُ} مبتدأ، وقوله سبحانه: {وصالح الْمُؤْمِنِين والْملئِكةُ} معطوفا عليه، وقوله عز وجل: {بعْد ذلِك} أي بعد نصرة الله تعالى متعلقا بقوله جل شأنه: {ظهِيرٍ} وجعلوه الخبر عن الجميع، وهو بمعنى الجمع أي مظاهرون، واختير الافراد لجعلهم كشيء واحد، وجوز أن يكون خبرا عن {جبريل} وخبر ما بعده مقدر نظير ما قالوا في قوله:
ومن يك أمسي بالمدينة رحله ** فإني وقيار بها لغريب

وجوز أن يكون الوقف على {جبريل} أي {مولاه وجِبْرِيلُ} مولاه {وصالح الْمُؤْمِنِين} مبتدأ، وما بعده معطوف عليه، والخبر {ظهِيرٍ}، وظاهر كلام الكشاف اختيار الوقف على {المؤمنين} فظهير خبر الملائك، وعليه غالب مختصريه، وظاهر كلامهم التقدير لكل من جبريل وصالح المؤمنين خبرا وهو إما لفظ مولى مرادا به مع كل معنى من معانيه المناسبة أي {وجِبْرِيلُ} مواه أي قرينه {وصالح الْمُؤْمِنِين} مولاه أي تابعه، أو لفظ آخر بذلك المعنى المناسب وهو قرينه في الأول وتابعه في تابعه، ولا مانع من أن يكون المولى في الجميع بمعنى الناصر كما لا يخفى، وزيادة {هُو} على ما في الكشاف للإيذان بأن نصرته تعالى عزيمة من عزائمه وأنه عز وجل متولى ذلك بذاته تعالى، وهو تصريح بأن الضمير ليس من الفصل في شيء، وأنه للتقوى لا للحصر، والحصر أكثري في المعرفتين على ما نقله في الإيضاح، وإن كان كلام السكاكي موهما الوجوب؛ هذا والمبالغة محققة على ما نص عليه سيبويه وحقق في الأصول، وأما الحصر فليس من مقتضى اللفظ فلا يرد أن الأولى أن يكون {وجِبْرِيلُ} وما بعده مخبرا عنه بظهير وإن سلم فلا ينافيه لأن نصرتهم نصرته تعالى فليس من الممتنع على نحو زيد المنطلق وعمرو، كذا في (الكشف)، ووجه تخصيص جبريل عليه السلام بالذكر مزيد فضله بل هو رأس الكروبيين، والمراد بالصالح عند كثير الجنس الشامل للقليل والكثير، وأريد به الجمع هنا، ومثله قولك: كنت في السامر والحاضر، ولذا عم بالإضافة، وجوز أن يكون اللفظ جمعا، وكان القياس أن يكتب وصالحوا بالواو إلا أنها حذفت خطا تبعا لحذفها لفظا، وقد جاءت أشياء في المصحف تبع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط نحو {ويدع الإنسان} [الاسراء: 11] {ويدع الداع} [القمر: 6] و{سندْعُ الزبانية} [العلق: 18] {وهلْ أتاك نبؤُا الخصم} [ص: 21] إلى غير ذلك، وذهب غير واحد إلى أن الإضافة للعهد فقيل: المراد به الأنبياء عليهم السلام.
وروى عن ابن زيد وقتادة والعلا بن زياد، ومظاهرتهم له قيل: تضمن كلامهم ذم المتظاهرين على نبي من الأنبياء عليهم السلام وفيه من الخفاء ما فيه؛ وقيل: علي كرم الله تعالى وجهه، وأخرجه ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس، وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«{وصالح الْمُؤْمِنِين} علي بن أبي طالب»؛ وروى الإمامية عن أبي جعفر «أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت أخذ بيد علي كرم الله تعالى وجهه فقال: يا أيها الناس هذا صالح المؤمنين».
وأخرج ابن عساكر عن الحسن البصري أنه قال: هو عمر بن الخطاب.
وأخرج هو وجماعة عن سعيد بن جبير قال: {وصالح الْمُؤْمِنِين} نزل في عمر بن الخطاب خاصة، وأخرج ابن عساكر عن مقاتل بن سليمان أنه قال: {وصالح الْمُؤْمِنِين} أبو بكر، وعمر، وعلي رضي الله تعالى عنهم، وقيل: الخلفاء الأربعة.
وأخرج الطبراني في (الأوسط)، وابن مردويه عن ابن عمر، وابن عباس قالا: نزلت {وصالح الْمُؤْمِنِين} في أبي بكر، وعمر، وذهب إلى تفسيره بهما عكرمة وميمون بن مهران، وغيرهما.
وأخرج الحاكم عن أبي أمامة، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «{وصالح الْمُؤْمِنِين} أبو بكر، وعمر».
وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أبي يقرؤها {وصالح الْمُؤْمِنِين} أبو بكر وعمر، ورجح إرادة ذلك بأنه اللائق بتوسيطه بين جبريل والملائكة عليهم السلام فإنه جمع بين الظهير المعنوي والظهير الصوري كيف لا وأن جبريل عليه السلام ظهير له صلى الله عليه وسلم يؤيده بالتأييدات الإلهاية وهما وزيراه وظهيراه في تدبير أمور الرسالة وتمشية أحكامها الظاهرة مع أن بيان مظاهرتهما له عليه السلام أشد تأثيرا في قلوب بنيتهما وتوهينا لأمرهما.
وأنا أقول العموم أولى، وهما وكذا علي كرم الله تعالى وجهه يدخلان دخولا أوليا، والتنصيص على بعض في الأخبار المرفوعة إذا صحت لنكتة اقتضت ذلك لا لإرادة الحصر، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن عساكر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك: «من صالح المؤمنين أبو بكر وعمر»، وفائدة {بعْد ذلِك} التنبيه على أن نصرة الملائكة عليهم السلام أقوى وجوه نصرته عز وجل وإن تنوعت، ثم لا خفاء في أن نصرة جميع الملائكة وفيهم جبريل أقوى من نصرة جبريل عليه السلام وحده.
وقيل: الإشارة إلى مظاهرة صالح المؤمنين خاصة فالتعظيم بالنسبة إليها، وفي التنبيه على هذا دفع توهم ما يوهمه الترتيب الذكري من أعظمية مظاهرة المتقدم، وبالجملة فائدة {بعْد ذلِك} نحو فائدة ثم في قوله تعالى: {ثُمّ كان مِن الذين ءامنُواْ} [البلد: 17] وهو التفاوت الرتبي أي أعظمية رتبة ما بعدها بالنسبة إلى ما قبلها وهذا لا يتسنى على ما نقل عن (البحر) بل ذلك للاشارة إلى تبعية المذكورين في النصرة والإعانة عز وجل، وأيا ما كان فإن شرطية وتظاهرا فعل الشرط، والجملة المقرونة بالفاء دليل الجواب، وسبب أقيم مقامه، والأصل فإن تظاهرا عليه فلن يعدم من يظاهره فإن الله مولاه، وجوز أن تكون هي بنفسه الجواب على أنها مجاز أو كناية عن ذلك، وأعظم جل جلاله شأن النصرة لنبيه صلى الله عليه وسلم على هاتين الضعيفتين إما للإشارة إلى عظم مكر النساء أو للمبالغة في قطع حبال طعمهما لعظم مكانتهما عند رسول الله عليه الصلاة والسلام وعند المؤمنين لأمومتهما لهم وكرامة له صلى الله عليه وسلم ورعاية لأبويهما في أن تظاهرهما يجديهما نفعا.
وقيل: المراد المبالغة في توهين أمر تظاهرهما ودفع ما عسى أن يتوهمه المنافقون من ضرره في أمر النبوة والتبليغ وقهر أعداء الدين لما أن العادة قاضية باشتغال بال الرجل بسبب تظاهر أزواجه عليه، وفيه أيضا مزيد إغاظة للمنافقين وحسم لأطماعهم الفارغة فكأنه قيل: فإن تظاهرا عليه لا يضر ذلك في أمره فإن الله تعالى هو مولاه وناصره في أمر دينه وسائر شؤونه على كل من يتصدى لما يكرهه {وجِبْرِيلُ وصالح الْمُؤْمِنِين والْملئِكةُ بعْد ذلك} مظاهرون له ومعينون إياه كذلك، ويلائم هذا ترك ذكر المعان عليه حيث لم يقل ظهير له عليكما مثلا، وكذا ترك ذكر المعان فيه وتخصيص صالح المؤمنين بالذكر، وتقوى هذه الملاءمة على ما روى عن ابن جبير من تفسير صالح المؤمنين بمن برئ من النفاق فتأمل.
{عسى ربُّهُ إِن طلّقكُنّ أن يُبْدِلهُ} أي أن يعطيه عليه الصلاة والسلام بدلكن {أزواجا خيْرا مّنكُنّ} والخطاب لجميع زوجاته صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين على سبيل الالتفات، وخوطبن لأنهن في مهبط الوحي وساحة العز والحضور، ويرشد إلى هذا ماأخرج البخاري عن أنس قال: قال عمر: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت: {عسى ربُّهُ إِن طلّقكُنّ أن يُبْدِلهُ خيْرا مّنكُنّ} فنزلت هذه الآية، وليس فيها أنه عليه الصلاة والسلام لم يطلق حفصة وأن في النساء خيرا منهن مع أن المذهب على ما قيل؛ إنه ليس على وجه الأرض خير منهن لأن تعلق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة والمعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه، وجوز أن يكون الخطاب للجميع على التغليب، وأصل الخطاب لاثنتين منهن وهما المخاطبتان أولا بقوله تعالى: {إِن تتُوبا إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} [التحريم: 4] إلخ فكأنه قيل: عسى ربه إن طلقكما وغيركما أن يبدله خيرا منكما ومن غير كما من الأزواج، والظاهر أن عدم دلالة الآية على أنه عليه الصلاة والسلام لم يطلق حفصة وأن في النساء خيرا من أزواجه صلى الله عليه وسلم على حاله لأن التعليق على طلاق الاثنتين ولم يقع فلا يجب وقوع المعلق ولا ينافي تطليق واحدة.
وقال الخفاجي: التغليب في خطاب الكل مع أن المخاطب أولا اثنتان، وفي لفظة {إن} الشرطية أيضا الدالة على عدم وقوع الطلاق.
وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة فغلب ما لم يقع من الطلاق على الواقع وعلى التعميم لا تغليب في الخطاب ولا في {إن} انتهى، وفيه بحث، ثم إن المشهور إن {عسى} في كلامه تعالى للوجب، وأن الوجوب هنا إنما هو بعد تحقق الشرط، وقيل: هي كذلك إلا هنا، والشرط معترض بين اسم {عسى} وخبرها.
والجواب محذوف أي إن طلقكن فعسى الخ، و{أزواجا} مفعول ثان ليبدل و{خيْرا} صفته وكذا ما بعد، وقرأ أبو عمرو في رواية عياش {طلّقكُنّ} بإدغام القاف في الكاف.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير {يُبْدِلهُ} بالتشديد للتكثير {مسلمات} مقرات {مؤمنات} مخلصات لأنه يعتبر في الإيمان تصديق القلب، وهو لا يكون إلا مخلصا، أو منقادات على أن الإسلام بمعناه اللغوي مصدقات {قانتات} مصليات أو مواظبات على الطاعة مطلقا {تائبات} مقلعات عن الذنب {عابدات} متعبدات أو متذللات لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم {عابدات سائحات} صائمات كما قال ابن عباس وأبو هريرة وقتادة والضحاك والحسن وابن جبير وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الفراء: وسمي الصائم سائحا لأن السائح لا زاد معه.
وإنما يأكل من حيث يجد الطعام، وعن زيد بن أسلم ويمان مهاجرات.
وقال ابن زيد: ليس في الإسلام سياحة إلا الهجرة.
وقيل: ذاهبات في طاعة الله تعالى أي مذهب.
وقرأ عمرو بن قائد {سيحات}
{ثيبات} جمع ثيب من ثاب يثوب ثوبا، وزنه فيعل كسيد وهي التي تثوب أي ترجع عن الزوج أي بعد زوال عذرتها {وأبْكارا} جمع بكر من بكر إذا خرج بكرة وهي أول النهار، وفيها معنى التقدم سميت بها التي لم تفتض اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء.
وترك العطف في الصفات السابقة لأنها صفات تجتمع في شيء واحد وبينها شدة اتصال يقتضي ترك العطف ووسط العاطف هنا للدلالة على تغاير الصفتين وعدم اجتماعهما في ذات واحدة، ولم يؤت بأو قيل: ليكون المعنى أزواجا بعضهن ثيبات وبعضهن أبكار، وقريب منه ما قيل: وسط العاطف بين الصفتين لأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات والأبكار فتدبر.
وفي الانتصاف لابن المنير ذكر لي الشيخ ابن الحاج أن القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب كان يعتقد أن الواو في الآية هي الواو التي سماها بعض ضعفة النحاة واو الثمانية لأنها ذكرت مع الصفة الثامنة، وكان الفاضل يتبجح باستخراجها زائدة على المواضع الثلاثة المشهورة قبله: أحدها في التوبة {التائبون العابدون} إلى قوله سبحانه: {والناهون عنِ المنكر} [التوبة: 112] والثاني في قوله تعالى: {وثامِنُهُمْ كلْبُهُمْ} [الكهف: 22]، والثالث في قوله تعالى: {وفُتِحتْ أبوابها} [الزمر: 73] إلى أن ذكر ذلك يوما بحضرة أبي الجود النحوي المقري فبين له أنه واهم في عدها من ذلك القبيل، وأحال على المعنى الذي ذكره الزمخشري من دعاء الضرورة إلى الإتيان بها هاهنا لامتناع اجتماع الصفتين في موصوف واحد وواو الثمانية إن ثبتت فإنما ترد بحيث لا حاجة إليها إلا الاشعار بتمام نهاية العدد الذي هو السبعة فأنصفه الفاضل واستحسن ذلك منه، وقال: أرشدتنا يا أبا الجود. انتهى.
وذكر الجنسان لأن في أزواجه صلى الله عليه وسلم من تزوجها ثيبا وفيهن من تزوجها بكرا، وجاء أنه عليه الصلاة والسلام لم يتزوج بكرا إلا عائشة رضي الله تعالى عنها وكانت تفتخر بذلك على صواحباتها، وردت عليها الزهراء على أبيها وعليها الصلاة والسلام بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم إياها حين افتخرت على أمها خديجة رضي الله تعالى عنه بقولها: إن أمي تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بكر لم يره أحد من النساء غيرها ولا كذلك أنتن فسكتت. اهـ.